أعلم أن الكثيرين يقرفهم الحديث عن هذا الرجل، وشخصيا أرى أنه لا يستحق كل هذا الضجيج الذي يثار حوله وخاصة فيما يتعلق بنسبته إلى الثورات العربية ووصفه بأنه عراب الربيع العـربي ومهندس ما يحدث من انتفاضات شعبية تطيح واحدة بعد الأخرى برأس طاغية تتبعها رأس طاغية.
غير أن انطلاء هذا المخادعة على كثير من الناس بفعل التجييش الإعلامي الممنهج واختلاق المعارك الموهومة للتغرير بالناس وتوجيه الرأي العام بشكل مريب، دفعني إلى أن أكتب في ذلك، مستذكرا تتابع الأحداث منذ هبت ثورة الياسمين العاصفة.
حينها لم يكن لبرنارد ليفي وجود على الساحة التونسية لا خلف الثورة ولا أمامها بل قطعا كان خارج التغطية سيما أن مركب فرنسا الرسمية آنذاك كانت تسير في اتجاه مسير النظام التونسي وهي تقف إلى جانبه وتسعى إلى دعمه وإبقائه والحفاظ عليه حتى آخر لحظة.
ثم تلا ثورة الياسمين إعصار مصر وسمومها الذي أحرق بيت فرعون ونسفه، وحين كانت النيران تضطرم فيه كانت مرة ثانية مواقف الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا وفرنسا تبدو بسفور متلكئة ومتواطئة، بل لقد كانت في حقيقة الأمر تسند نظاما يتهاوى يعتبر رأسه كنزا إسرائيليا وذخرا لعملية السلام المزعوم، وكان انهياره وسقوطه سيشكل أكبر خسارة للمشروع الصهيوني ، وهوما يعني أنه لم يكن لأمريكا أوفرنسا وبالتالي لبرنارد ليفي التآمر من أجل إسقاطه..
وأكثر من ذلك، فحتى عندما قررت فرنسا أن تستدرك تأخرها في ربيع تونس وسارعت إلى الدخول على الخط المصري حين قامت بدعوة مجموعة من شباب الثورة المصرية من مختلف الاتجاهات عن طريق وزارة خارجيتها لتعرض عليهم الدعم المطلق مقابل مطالب تتعلق بالشأن الداخلي والخارجي رأى فيها الشباب المصري المدعو يومها أنها مطالب متنافية مع ما قامت لأجله ثورتهم فرفضوها ورفضوا الدعم السياسي والإعلامي والمالي، عندها كان برنارد ليفي وفرنسا من ورائه خارج تغطية الثورة المصرية.
المشاهد المقرفة فعلا لهذا الرجل الصهيوني الفرنسي كانت وهويحط في مدينة بنغازي وبعدها وهويعبر ساحة طرابلس. وقبل شهر من مجيئه الأول وظهوره إلى جانب قيادات الثوار لم يكن له وجود ولا أثر يوم قام شباب ليبيا بالتظاهر السلمي ثم حين كانوا يسقطون بالمئات أمام آلة قمع مجرمة تسعى إلى إبادتهم ، إلى أن تمكنوا من تحرير الشرق الليبي ثم بعد ذلك اضطر الأشقاء الليبيون إلى قصة الحماية الدولية للمدنيين والتي كانت فرنسا رأسها النشط وهي التي تعلمت ساعتها من درس تونس ومصر فلم تضيع هذه المرة الفرصة الثمينة، خاصة وأن ليبيا ليست كمصر ولا تونس، لا سياسيا من حيث علاقتها بأنظمة هذه الدول ولا من جهة الثروة التي تزخر بها ليبيا والتي كانت مطمعا لفرنسا والغرب بوجه عام ويرى فيها الليبيون أنها ليست أغلى من دمائهم أوأعراضهم… وكان الاختلاف أيضا في طبيعة الثورة وصيرورة أحداثها وتداعياتها بشكل اختلف عن سابقتيها.
وظهر في صميم الدور الفرنسي ذاك، برنارد ليفي ولم يكن لليبيينن يومها أن يناقشوا وفي تلك الظروف العصيبة وجود الرجل أوخلفيته الصهيونية اوبهلوانياته باعتباره قبل كل شيئ وجها فرنسيا ضمن دور فرنسي بات أمرا واقعا، رغم أنه لم تكن تخفى عليهم حقيقته ولم يكن وجوده يحظى برضى الجميع اوإجماعهم ومع ذلك كان لوجوده أثرا مشينا ومشوها.
بهلوانيات برنارد ليفي اقتربت من السوريين أيضا ومن معارضتهم وأقصد مجموعة منها لانها معارضات كثيرة ومختلفة، يومها كانت الثورة السورية في مدن الشام متأججة تدفع أثمانا غالية وتواجه حربا شرسة وكانت مطالب الإصلاح ثم الحرية فإسقاط النظام قد بلغت أوجها وقوتها، وكانت أعداد الشهداء والجرحى والمعتقلين والمهجرين الهاربين تكبر وتزداد، وحتى لدى تلك المعارضات التي لم تكن متجانسة مع حراك الثوار في الداخل بسبب انقسامها وتباينها بشكل يؤكد أن الشارع كان متقدما عليها ومنظما أحسن منها وهي التي لم تستطع أن تكون في مستوى تطلعاته وتضحياته .. حتى لدى تلك المعارضة المختلفة لم يكن برنارد ليفي مرحبا به ولا وجوده مقبولا، ومرة أخرى كان الرجل خارج تغطية الثورة السورية.
وعندنـــا تعمدت دوائر إعلامية ومن ورائها من غير شك جهات سياسية وأمنية شيطنة ثورات الشعوب العربية في مطالباتها المشروعة بحياة الكرامة والحرية، وتعمدت إلصاقها بمؤامرة مزعومة وبخاصة أحد عناصرها المدعوبرنارد ليفي الصهيوني الفرنسي..
وهاتان الصفتان الأخيرتان كافيتان لاستثارة عواطف الناس وتأليبهم على دعوات التغيير والمطالبة بالإصلاح حتى في شكلها السلمي والمشروع. يحدث هذا وكأن تلك الجهات تتناسى أن هذا الوجه الصهيوني كان قد زار الجزائر في عام 1997 بدعوة من السلطات الجزائرية وجهت إليه في غلاف ثقافي وحظي الرجل باستقبال كبير من طرف قيادات مهمة في البلاد آنذاك ومكث بالجزائر مقيما بالإقامة الرسمية للضيوف والمدعوين التابعة للرئاسة الجزائرية حسبما ذكرته لموند ديبلوماتيك..
وتجول الصهيوني الفرنسي برنارد ليفي في الجزائر العاصمة بحماية أمنية صارمة ودخل مؤسسات الدولة الرسمية بما فيها العسكرية وحاضر أمام العكسر، قبل أن ينقل أصداء زيارته إلى وسائل الإعلام الفرنسية والأوربية – وهوالمقصود من الدعوة والزيارة – وينقل معها خطاب السلطة الأحادي آنذاك حول ما كان يجري من أحداث ومآسي في بلادنا.. وكان واضحا للكثيرين هناك يومها أنه كان يطمس جزء كبيرا من الحقائق خاصة فيما يتعلق بتجاوزات الأجهزة وانتهاكات لحقوق الإنسان.
قد تكون الدوائر التي يدور فيها ليفي وأمثاله والتي يمكن أن تتحول إلى دوائــر للتآمر وقواعد للتدخل الأجنبي تتقاطع مع دوائر تتواجد فيها بعض النخب العربية الحاكمة أو المعارضة والناشطة والتي تستقوي بتلك المراكز الغربية مع ما يربطها طبيعيا وسياسيا بالمخطط الصهيوني والرغبة في اختراق البنية العربية سواء في أشكالها المتهاوية أوصيغها الالمقبلة على اختلاف حالاتها المستقرة أوالمضطربة.
غير أن الحراكات الشعبية في عفويتها وبالنظر إلى الدوافع الكافية والمتوفرة سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لقيامها يكسر من غير شك هذا الوهم الذي يريد البعض أن يثبته وهويغطي على عجز الأنظمة واستبدادها وفسادها وإفلاسها وقد وصلت ببلدانها وشعوبها إلى حافة الانهيار والانفجار.
هذا هو برنارد ليفي الدجال كما يحلو لبعض الإعلاميين في بلاده أن يسميه.. أحد عناصر المؤامرة التي يتعمد أعداء التغيير والخائفون منه والمخادعون والمنخدعون أن يفسروا بها ومن خلالها حراك شعوب ذاقت المهانة والإذلال واستبيحت كرامتها وثرواتها وانتهك استقلالها، استأثرت بحكمها عصابات تتوارث الاستبداد وتنشر فيها الفساد وتعبث بسيادتها، خانت عهود ثوراتها وشهدائها.. وقد جاء اليوم الذي انتفضت فيه هذه الشعوب في طلب حريتها وهي لا تنتظر أحدا ليثورها أويدفعها فتلك حركة التاريخ وقانون الاجتماع مهما بدا أنه تأخر بهما الزمن، ولن ينفع أصحاب الخيبة أن يوهموا الناس بمخطط المؤامرة وهو أكبر المتآمرين أو يتخذوا لهم أعداء مزعزمين لا وجود لهم إلا في عقل من لا عقل له.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق