بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في بلاروسيا و التي أظهرت فوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الذي يحكم البلاد منذ العام 1994 من القرن الماضي أي منذ 26 سنة و الذي بات يعرف بآخر ديكتاتور في أوروبا، اندلعت تظاهرات واسعة و احتجاجات في عموم البلاد احتجاجا على تزوير الانتخابات و أصبحت هذه الاحتجاجات تنذر بعصيان مدني في البلاد وسط مطالبات المعارضة مطالب المعارضة بإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتنظيم انتخابات رئاسية حرة ونزيهة.
و رغم أن الاحتجاجات لم تتبن لحد الساعة اي شعارات معادية لروسيا ، فإن هذه الأخيرة أعلنت استعدادها لدعم لوكاشينكو عبر تنفيذ اتفاقات الدفاع المشترك بين البلدين، مع ما يوحي به هذا الأمر من احتمال التدخل عسكرياً. إلا أن ذلك لن يكون سهلاً، خصوصاً بعدما بدا أن التطورات وضعت الكرملين أمام خيارات صعبة في التعامل مع الاحتجاجات غير المسبوقة، ويمكن أن تتسبب في خسارة "ضلع" آخر في "المثلث" السلافي بعد خسارة أوكرانيا في 2014 (يضمّ الضلع روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا وفق مفهوم الاتحاد السوفييتي السابق).
ألكسندر لوكاشينكو رئيس بلاروسيا الذي يواجه احتجاجات ضخمة |
و في تطور لافت مع توسع دائرة الاحتجاج و ازدياد شدتها في معظم مدن بلاروسيا بدا واضحا أن الرئيس قد فقد السيطرة على الأوضاع التي تنفلت من قبضته الأمنية و القمعية شيئا فشيئا، و هو ما دفعه إلى تبني نظرية المؤامرة و المخطط الأجنبي في إشارة إلى مؤامرة تحاك ضد بلاده من دول أوربا و الحلف الأطلسي مستجديا بذلك الدعم الروسي و تعبئة أنصاره لمواجهة هذا الخطر و التآمر الخارجي الذي يهدد بلاده حسب ادعاءاته.
و لا تبدو روسيا مستعدة لفقدان معقل أوربي آخر ضمن المجموعة التي تشكل عمقا استراتيجيا لكيانها في أوربا لذلك ستلعب روسيا أوراقا في الدفاع عن الرئيس و بقائه في السلطة و مواجهة الاحتجاجات و ربما تعمد إلى استراتيجية مختلفة تماما عبر السماح بسقوط دكتاتور بلاروسيا لكسب الشارع المنتفض و الإبقاء على حليف استراتيجي مانعة بذلك أن تتحول بلاروسيا إلى تجربة ديمقراطية على حدودها تجد الدعم من المحيط الأوربي و الغربي.
و يرى مراقبون أن شدة الاحتجاجات زادت بسبب القمع غير المسبوق بحق المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية و ساهم ذلك في زيادة أعداد المتظاهرين وانضمام العمال إلى الاحتجاجات، وكبار السن في التظاهرات في جميع المدن البيلاروسية، وكان قُتل محتجان شابان. وعرضت وسائل إعلام معارضة صوراً لضحايا العنف غير المسبوق في بيلاروسيا، ما أثار حفيظة الشعب، فيما زاد انضمام عمال المصانع الكبرى للاحتجاجات من وتيرتها و قوتها عبر إعلان إضراباً عاماً مفتوحاً احتجاجاً على نتائج الانتخابات.
من جهة أخرى شهد قطاع الإعلام في بلاروسيا سلسلة استقالات واحتجاجات بين صفوف الإعلاميين، فقد انضم عدد من قنوات التلفزيون الحكومي إلى المتظاهرين.
و لا يعرف لحد الساعة طبيعة التدخل الروسي في أزمة بلاروسيا حيث لا يستبعد التدخل العسكري الروسي في البلاد بعد ورود أخبار موثقة عن تحرك للحرس الوطني الروسي نحو بلاروسيا في وقت لا يستبعد فيه حصول انشقاقات في المؤسسة الأمنية في البلاد و التي تعتبر الحامي الأول للدكتاتورية و استمرار حكم الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق