"البطل" يعيد للبطولة الجماعية مكانتها في الدراما السورية

  سامر محمد إسماعيل   

المخرج الليث حجو يتناول أحوال الحرب والتهجيرالجماعي بأسلوب واقعي تعبيري.

"البطل" يعيد للبطولة الجماعية مكانتها في الدراما السورية

سيناريو مسلسل "البطل" كتبه كل من رامي كوسا ولواء يازجي وتم اقتباسه عن مسرحية "زيارة الملكة" للكاتب الراحل ممدوح عدوان. وقد يبدو عنوان المسلسل مدخلاً مناسباً لقراءة مباغتة يقدمها هذا المسلسل ببطولة جماعية لكل شخصياته، فلم يكن العنوان "البطل" إلا تورية ذكية للولوج إلى حكاية كل شخصية من الشخصيات التي تدور حولها حبكة المسلسل.

ليس معنى هذا أن كل الشخصيات في "البطل" هي شخصيات رئيسة، بل من الواضح أن كاتبي "البطل" ومخرجه توخوا خياراً فنياً مغايراً. في الأقل يمكن العثور على دلائل تدعم هذه القراءة، فالبطل هنا كان بمثابة ذريعة لتوزيع أدوار محكمة. يروي المسلسل قصة الأستاذ يوسف (بسام كوسا) الذي يجد نفسه مطالباً بلعب دور المخلص لأبناء بلدته، بعدما تتعرض البلدة لنزوح جماعي جراء القصف الذي يطاولها من قبل قوات النظام السابق. يوسف هذا سيجسد المثل العربي القائل، "مكره أخاك لا بطل". ينتقل يوسف بعدها من حال الحياد إلى المواجهة. على الطرف الآخر يمكن ملاحظة الشخصية المضادة للبطل، وهي هنا فرج (محمود نصر) الذي ستجمعه قصة حب مع راما (رسل الحسين). الفتاة التي ستهرب مع حبيبها بعدما يرفض أهل قريتها الاقتران بالشاب الذي تلاحقه لعنة والدته سمرا (جيانا عيد)، وهي المرأة المتهمة بقتل والد فرج الذي سنعرف في ما بعد أنها أنجبته في السجن. 

"البطل" يعيد للبطولة الجماعية مكانتها في الدراما السورية


على مستوى آخر تبرز شخصية كل من مروان (خالد شباط) ومريم (نور علي) في علاقة حب استثنائية تبزغ تحت قذائف الموت. شخصية سلافة (نانسي الخوري) التي تلجأ هي الأخرى مع طفلها الرضيع لمنزل الأستاذ يوسف بعدما تنزح من بيتها. ظروف التهجير الجماعية يلتقطها حجو وكأنه يدير كاميرته فوق منصة مسرح. اللقطات الواسعة والعامة التي شارك فيها الكومبارس أعطت صدقية عالية للمشاهد الجماعية، لا سيما أن المخرج وظف أهالي قرية الغسانية (ريف اللاذقية) ليكونوا جزءاً من الحدث، مما أضفى بعداً واقعياً على الصورة التلفزيونية، ونقلها من حيز أعمال الفيديو إلى لغة سينمائية تجريبية.

التهجير الجماعي

لا تطفو شخصيات البطل فوق ظرفها الموضوعي، بل يمكن التقاط أحوال التهجير القسري والمجازر الجماعية في كل لقطة ومشهد، وعليه يصبح التعليق الصوتي في المسلسل بصوت بطله بسام كوسا نوعاً من التغريب المقصود، فالشخصية الرئيسة تتورط في الحدث وتروي عنه في الوقت ذاته، وهذا خيار كان حجو قد لجأ إليه في مسلسل "الندم" عن سيناريو للكاتب الفلسطيني الراحل حسن سامي يوسف. يمكن عبر حلقات المسلسل متابعة سردية تناهض بقوة السردية الرسمية التي كانت سائدة أيام النظام البائد، وهذا ما جعل النص يصطدم بالرقابة مرات عديدة قبل أن يفرج عنه ويباشر عمليات التصوير. من هنا لا يترك حجو مسافة بين الواقعي والمتخيل، بل يسعى إلى تقديم ساعة تلفزيونية أقرب إلى سينما تسجيلية، ولكن من دون أن يفقد القصة الدرامية إيقاعها التشويقي والملحمي. 

"البطل" يعيد للبطولة الجماعية مكانتها في الدراما السورية


في السياق أيضاً يمكن التقاط أبعاد مختلفة لقصة "البطل"، وهذا يحسب للسيناريو المحكم لكل من رامي كوسا ولواء يازجي، وعبره ترصد الكاميرا صراعاً مضمراً بين شخصيات المسلسل، فالحب والموت صنوان في لعبة درامية لا تهدأ حتى تعود وتتوهج بعد نزوح أهالي القرية، والمرض الذي يداهم "البطل" ويصيبه بالعجز، مما يدفع بالحدث نحو ميلودرامية (إغراق في المأسوية)، في وقت لا تتنازل الشخصيات عن ثاراتها، بل تحاول جاهدة النيل من الآخر وتدميره وتصفيته. إنها حروب صغيرة داخل حرب كبيرة بين فقراء وفقراء يمولها أغنياء. بهذا المعنى تتداعى شخصية البطل وتنزوي نحو عالمها الداخلي، فيوسف رأى كل شيء بأم العين، وما كان ممكناً من إصلاح ذات البين صار شبه مستحيل.

مشاهد المسلسل السوري تنقل ذلك بأناة، وتصور وحشية الصراع بين أولياء الدم. وعليه ينقلب السحر على الساحر، ويصبح من الصعوبة بمكان إقناع الضحية بمظلومية الجلاد، أو العكس بالعكس. إنها ثنائية التدمير الذاتي التي تكشف التراجيديا التلفزيونية السورية خطورتها ومدى استحكامها بشخصيات تجد نفسها دائماً في صراع لا نهائي، وعليه تنتقل عدوى الانتقام بين أطراف الصراع، ويصبح "البطل" صورة مشتهاة لا أكثر. فيردد معلقاً على ما يدور من حوله: "ستدرك يوماً يا عزيزي أن القسوة لا يغلبها إلا مزيد من القسوة" ثم يستدرك ويقول "الموت يصفعنا نحن الأحياء، يقول لنا كفى، يجيء كي يذكرنا بضرورة أن نخفض أصواتنا، وأن نخفف من حدة غضبنا. نقف قبالته مقهورين ونسأل: ما ذنبا؟ ما ذنبا كلنا؟".

"البطل" يعيد للبطولة الجماعية مكانتها في الدراما السورية


 النبرة الرثائية لا تتداعى بسهولة، بل تمهد لها أحداث متصاعدة تجعل من البطل صورة معاكسة لمعناها النمطي في السينما الأميركية (the hero)، فالبطل في المسلسل السوري هو إنسان عادي وليس (سوبرمان)، ويمكن لجمع الناس أن يصيروا أبطالاً في ظروف مضادة تملي عليهم تحولاً جذرياً في شخصياتهم، وتحملهم مسؤوليات جسيمة تدفعهم عنوة إلى المواجهة وعدم الإذعان للموت والظلم والقهر. وهذا ربما ما جعل من كل شخصيات "البطل" أبطالاً بالمعنى الدرامي. حتى المجاميع في المسلسل كانت شخصيات رئيسة من حيث توظيفها داخل الكادر التلفزيوني، ومن حيث الطاقة التعبيرية للوجوه المبقعة بالحرمان والخوف والجوع.

إشارات عديدة يمكن التقاطها في "البطل" لكن يمكن أبرزها هي قدرة العمل على تقديم فضاء جديد لشخصياته، وهذا ما كان واضحاً في العناية بالديكورات والأكسسوار والأزياء وتصفيف الشعر والمكياج، وجعل هذه العناصر في خدمة شخصيات العمل. حدث ذلك من دون الوقوع في تقليد حرفي للبيئة الواقعية، بل في تقديم حلول فنية مبتكرة جسرت الهوة بين الواقع والمخيلة، خصوصاً أن المقتلة السورية تجاوزت المخيلة بآلاف الأميال، وصار من الصعب إيجاد معادل فني لما يجري على أرض الواقع. هكذا يمكن القول إن مسلسل "البطل" استعاد بقوة مجد الدراما الاجتماعية السورية، ومهد لنسف سقف الرقابة في القادم من الأعمال التي ستأتي من بعده.

عــن موقــــع 

فإنا أحييناه - نص ختام زاوي

 

فإنا أحييناه - ختام زاوي

حينما ضبط المنظر ..لم يكن قائد السجون "رفائيل "هو الذي غضب والتهبت الدماء في عروقه ..بل هو وحده الذي ضل السبيل للطلوع من تحت أجنحة المحتل ..حتى الجب كان مغموسا مترين تحت قالب الزنزانة أما طنطنة القائد فقد كانت مسموعة وهو ينذر القوم المكلوم تحت شظايا الإنفجار بأن ساعة النجاة من تحت الردم لا مناص منها أما ساعة الإعدام فإنها محتومة وكأنه يبحث عن حل كي يزيل عبء الشرور عن عاتقه ملتمسا العلل والمعاذير فقد  خاب ضميره و خلا قلبه من الحياة.

أما عبد الله فقد كان يقتات خيوط القنبلة الأخيرة من تحت التراب ويلملمها في الخفاء ضابطا نفسه عن البكاء على ساكني الزنزانة المجاورة الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه .

ولكنهم عراة في مخيلته يملؤهم الخوف  والهلع  من نشوب القنابل المتتالية  أما الرغبة في المزيد منها فقد كانت محرقة ولم يكن الدم المهدور على الارض بخسارة ولكنه نداء الفرار من الإنتظار والتوجس أجبر الأرواح أن تتعقب الخلاص بلهفة ..وقد ربتت هذه الأسرار على كتف عبد الله .

شق عبد الله قميصه وربط يده اليمنى التي جرحتها شقوق الحفرة ولم يفرغ قلبه بعد من الحزن اللاذع الذي يفعمه إفعاما إلا أنه لم يضع لها مقاما وتفلت من الشيطان الذي  يوشك أن يلقيه ميتا .

فتمتم في نفسه:" لكن لا بد من بعض الشر ! لابد أن أمكر حتى أقصي دار العدو ولابد أن أكيد حتى تقصى سكينة المحتل المغرور! وما أيسر الكيد حين يطمئن له الضمير ..ولن أبلغ هذه الغاية التي أسمو إليها حتى أقتحم في سبيلها غمرات وأنال بها شهادة"

وإذا به يلقف آخر عبوة ويربط الفتيل بمقبض قصب طويل أما الأسلاك فقد تمددت ثم انتثرت حذوه ..بألوان فولاذية متفرقة لم يستطع تحصيلها فقد استحالت الرؤية في هذه الحفرة  الغائرة  حتى أنه  لا يكاد يسعى إليها حتى يشيع صوت الأشباح مختلطا بصوت الجرافات  وزفارات العدو المدوية فوق رأسه  ولابد أنهم أقاموا أسطولا كاملا  من الجيش باحثين عن اللص..

أخذه شئ من الذعر خوفا من عدم إتمام المهمة وكان يجب أن يبذل أكثر من القوة والجهد ومن الحيلة والذكاء ..وكأنه يجاهد قوة غير منظورة . وهذه هي الليلة التي رمقت منها الأجرام وكانت المعادلة.. وكأن التوازن بدا على أشده وكم كان يتمنى ان ينهي هذه المأمورية دون صراع   ..لكنه ارتد على حافة الشقوق 

..ثم تقلب على وجهه فانحسر طرف القميص على نصفه التحتاني ..فإذا به ينزلق في هوة أعمق ولم تدب بعد قدمه على الأرض حتى ضمر ونضب فجأة ولم  يبق منه سوى إرتفاع في الحرارة وسرعة في النبض.

ألصق خده  بالعبوة يستأنس بها و يضمها إليه وكأنها قد منحته سرا جديدا و هو أن يتحمل هذا الدور فقط بل إنها تجعله أيضا  عاجزا أن يتصور أي عواطف عامة ونبيلة وحنونة  ..

نهض عبد الله متثاقلا..خذلته يداه فانزلقت القنبلة وقد أصدرت عند ارتدادها إيقاعا مخلوقا من الطين و من الدم ..تحسس صوته واختلط معه  إحساس العجزبالجنون وتاهت به أحلام الحرية في متاهات الفن ..يواسي نصفه الحي وهو يلقي شعرا للمتنبي:

إذا اعتاد الفتى خوض المنايا         فأهون مايمر به الوحول

فرد عليه صوت مغمور في ثنايا الجب :

-الله معك يا برغوثي 

ذهب الذهول على المهندس وفارقه الوجوم واستقرت عيناه وهدأت واستقامت وانطلق لسانه بالحديث:

-غفار ! ..غفار ..!

-إني ونيسك الليلة..فاسترح

-لقد أنعمت علي بهذه الوديعة ..قل بالله عليك  ..كيف مررت بها وعبثت بعقل السجان؟!

-إن الفلسطنيين ينجحون متأخرا لكنهم يصلون في نهاية الأمر ..وإن التنوير في صفوف الأسرى ينتشر بالتدريج ..فلقد تم تفكيك العبوتين الي خمسة و عشرين قطعة على عدد الموقوفين وكل  واحد منهم قد وضع قطعة في أخمص قدميه كي لا ترى  وقد تم  تجميعها بالسر في  خزان المرحاض الخارجي ..وبالصدفة وصلت ..وبحكمة لا يعلمها أحد..

-إنها الفضيلة بعينها وأنه البذل الأعظم الذي ييدو أنه يستحق الجزاء الأسمى 

أردف غفار بصوت متحشرج وكأنه يقاوم الإغماء:

بل يجب أن ننظر إلى الأمر بتبجيل آخر..إن الجيل الأصغر –

سنا محظوظ  لأنه سيرى بعض الأشياء العظيمة.

فهمهم المهندس وهو يقول :أشعر أن الدين قد ولد من جديد..

أما هو فقد كان ينتظر الرد إلا أن الصوت قد علا وإختفى كالوهم فقد كان الردم بينه وبين غفار جسيما وكأن الزنزانة قد أطبقت عليهم بعدد مرات تفوق الخيال وإنزوى البئر العميق  خارج الكوكب ..لكنه كالعادة هم بالبحث عن العبوة يمينا وشمالا حتى لقيها وهتف وهو غارق في الاستبشار:

إنها القنبلة السابعة  والستون .. "ألابوغا " التي ستحولك يا رفائيل أنت وأتباعك إلى رماد..

وبكل ضجيج وصخب بدأت الجرافات تنحت طريقها وتقترب نحوهم وكانت عجلاتها تتدحرج بثقة وعزم  فجاء صوت غفار  كالنغم  :

"ثبت يا برغوثي..ثبتها وإضغط على الزر ..لا مزيد من الاستغفال فالكل ينتظر هذه اللحظة!!

أرجوك  لا تستغني عن الحرية !"

لحظة منفلتة .. قصة تماضر كريم

 تماضر كريم ( كاتبة من العراق).


لحظة منفلتة .. قصة تماضر كريم


الأمر بدأ بفكرةٍ مضحكة ، في لحظة منفلتة ، كانت تسكب الشاي في الأكواب بكلّ أريحية ، بعد أن وضعت كمية كبيرة من السكّر لابنتها و كمية متوسطة لزوجها و تركت كوبها بلا سكر ، حسنا ، ماذا لو أنهتٔ حياتها ، انفرجت شفتاها عن أسنان سليمة لامعة وهي تتخيل شكل عائلتها و أصدقائها بعد سماعهم النبأ، كادت تضحك بصوت عال ، لشدة غرابة الفكرة و استحالة وقوعها ، عندما حملت الأكواب بخفة، و بهجة قلّ نظيرها، انفجر السؤال بداخلها ( لم لا )؟ 

كثيرا ما أحب زوجها طريقتها في فعل الأشياء، لم يخبُ يوماً شعاع انبهاره بها ، حتى بعد عشر سنوات من الرِفقة  ، عندما حمل الشاي إلى شفتيه صدرت منه صيحة ، لقد احترق لسانه ، ضحكت بدلال و تهكّمت عليه ، ما لبث أن حلّ صمتٌ مفاجيء ، صمت غريب ، ثم خيم على قلبها إحساس عميق بالحزن ، وهي تشرب شايها المُر ، يا للعجب ، إنها تُمطر ، إنها زخة مطر عجولة غزيرة ، تطرق النوافذ بإلحاح واضح ، و ترسم على النوافذ خطوطا متعرجة و على الطرقات خرائط غامضة ، و الفكرة ذات الفكرة تومض في خيالها ، كيف تُنهي هذا الوجود .. هذا الكيان  ، لمَ قد تكون هذه الفكرة مستحيلة ، إنها قابلة للحصول ، فتحت خزانة ملابسها ، ألقت نظرة على كلّ شيء، الحقائب ، الحليّ ، علب التجميل ، هنا حاسوبها و أقلامها التي تختارها بعناية ، و دفاترها ، و مكتبتها ذات الرفوف شديدة الترتيب ، و الجدران التي تزينها اللوحات الباهضة و الصور التي تشرق بالبسمات ، كل شيء هنا يريد أن يعيش ، أن يدوم ، أن يعانق الصباح  كلّ يوم ، و يسهر مع النجوم كل ليلة ، لكنها لم تفهم ، لماذا كانت تشعر أنها تودّع كل أشياءها التي تحب ، كأنها تلوّح لها ، 

هل هي لعنة الفكرة التي باغتتها ؟ (نعم لمَ لا ؟ لم قد تكون تلك التفاصيل مهمة ، و تلك الأشياء ذات قيمة  ؟ ألم يكن أولئك الذين أنهوا حياتهم قبلي ، في لحظة ما مستغرقين في أيامهم بتفاصيلها الحلوة و المرة ، و ربما كانوا في أوقات ما يعيشونها بشغف كبير ، نعم ، أظن أن ضحكتي المبالغ فيها اليوم حول فكرتي المباغتة كانت سخافة لا أكثر ، فالأمر جاد ، إنه ليس مضحكا أبدا ) . أغلقت الخزانة ، و الكتاب الذي بقي مفتوحا على صفحة ما منذ ليلة ، نزعت الخواتم من أصابعها و باقي الحلي ، 

رفعت شعرها الطويل إلى الأعلى، عندما خرجت من غرفتها كانت قد وضعت خطة لتنفيذ فكرتها ، ذهبت  بثبات لتبدأ بالخطوة الأولى ، لكن صوت ابنتها أوقفها لوهلة ( ماما أين دفتر الرسم ..لم أعثر عليه في حقيبتي ) ،قالت لنفسها أن من ينوون عمل شيء مهم لن يثنيهم الأطفال عن ذلك ، الأطفال سبب عاطفتنا الزائدة و سبب ضعفنا ، كانت تفكر في ذلك وهي تبحث عن دفتر الرسم، تبا لدفتر الرسم، تحت السرير وجدته  بعد بحثٍ قصير، حملته بلا مبالاة إلى ابنتها ( لا تُلقي أشيائك هكذا ..لقد نبهتكِ مرارا )، أدهشتها فرحة ابنتها بدفتر الرسم ، ماذا سترسم الآن ؟ تبدو متحمسة ، 

لكن ماذا لو انتظرت قليلا ريثما تُنهي رسمتها، هذه الطفلة مذهلة في استعمال الألوان، نظرت إلى الأرض والسماء و البيت ذي النافذة الصغيرة و شجرة الرمان ، في لوحة ابنتها ، كان كل شيء كاملا هنا ، عدا الأشخاص ،إنهم مغيبون، حسنا تفعل، عالم بلا إنسان، هذا ما يجب أن نرسمه، لم تُظهِر ثناءً لابنتها ، كانت غارقة في تفاصيل اللوحة،( ماما  ماما هل هي جميلة )؟ 

كلّ ما  علينا فعله أن نتجاهل جمال الأشياء من حولنا، الأطفال ، لوحاتهم، الأصدقاء، الأيام القادمة ، التفاصيل الحلوة ، نكهات الشاي والقهوة مثلا ، طعم الكعك المحلى ، كل شيء.  ينبغي أن نكون شجعانا، الأشياء العظيمة تبدأ بفكرة، فكرة مضحكة أحيانا، صدقيني يا صغيرتي حتى لوحتك هذه لن تصمد أمامها ، حتى ابتسامتك، و رغبتك في الثناء، فقط لا تؤخري رجاء ما أريد البدء به !       

دموع تحت المصباح - أم غادة الجم

قصة قصيرة 

دموع تحت المصباح   - أم غادة الجم




لم يكن الليل عادياً تلك الليلة. كان الصمت متكتلاً في الزوايا، يتسلق الجدران كأنه مخلوق حي، يتنفس ببطء، يتأمل وجهها المرهق، وكتفيها المنهارتين. في الركن المعتم، بجوار الجدار البارد، انحنت روزا على جسد والدها المسجى على الأرض. لم تكن تبكي، لم تكن تصرخ، فقط كانت تسند رأسها فوق ساعديها، تحدق في الفراغ، كأنها تحاول أن تجد في العدم تفسيراً لكل شيء.

كل شيء انهار في لحظة واحدة. قبل ساعات فقط، كان والدها يبتسم رغم التجاعيد التي حفرتها الأيام على وجهه، ورغم الجهد الذي التهم ظهره، كان يقول لها: "الصباح دائماً يحمل شيئاً جديداً، لا تخافي من الليل يا صغيرتي." لكنها الآن وحدها، والليل يسخر منها، والمصابيح فوق رأسها تومض وكأنها تبكي معها.

تذكرت كيف بدأت الحكاية. جاء ذلك الرجل ذو القفازين السوداوين، لم يكن وجهه واضحاً تحت الظلال، لكنه كان يحمل شيئاً في يده. شيء صغير، لكنه كان كافياً ليمحو كل ما تبقى من أمل. الكلمة الوحيدة التي نطق بها قبل أن يختفي في الظلام كانت: "انتهى."

انتهى؟ ما الذي انتهى؟ لم يكن والدها سوى رجل بسيط، يعمل بيديه، يكافح ليضع الخبز على الطاولة. لم يكن له أعداء، لم يكن له أصدقاء حتى. فمن ذا الذي قرر أن يأخذ منه الحياة بهذه البساطة؟

لم تكن روزا تفكر في الانتقام، لم تكن تفكر في العدالة، فقط أرادت أن تتشبث بلحظة أخيرة، أن تحفظ ملامح والدها قبل أن يبتلعها النسيان. لكن الدموع خانتها، انسابت بصمت، وسقطت على يده الباردة، كأنها تحاول أن تعيده للحياة.

خارج الغرفة، كانت المدينة نائمة، كما لو أن العالم لم يفقد شيئاً، كما لو أن ضوء المصابيح المرتعشة لم يشهد انكسار روحٍ في العتمة.

بطاقات شعرية - أنس تاجديت

بطاقات شعرية    - أنس تاجديت





 

بطاقات شعرية   أنس تاجديت


بطاقات شعرية   أنس تاجديت



بطاقات شعرية   أنس تاجديت


بطاقات شعرية   أنس تاجديت

لك الله من برق تراءى فسلما شعر ابن خفاجه

 

ابن خفاجة 450 - 533 هـ / 1058 - 1138 م إبراهيم بن أبي الفتح بن عبد الله بن خفاجة الجعواري الأندلسي. شاعر غَزِل، من الكتاب البلغاء، غلب على شعره وصف الرياض ومناظر الطبيعة. وهو من أهل جزيرة شقر من أعمال بلنسية في شرقي الأندلس. 


لك الله من برق تراءى فسلما   شعر ابن خفاجه


لَكَ اللَهُ مِن بَرقٍ تَراءى فَسَلَّما

وَصافَحَ رَسماً بِالعُذَيبِ وَمَعلَما

إِذا ما تَجاذَبنا الحَديثَ عَلى السُرى

بَكيتُ عَلى حُكمِ الهَوى وَتَبَسَّما

وَلَم أَعتَنِق بَرقَ الغَمامِ وَإِنَّما

وَضَعتُ عَلى قَلبي يَدَيَّ تَأَلُّما

وَما شاقَني إِلّا حَفيفُ أَراكَةٍ

وَسَجعُ حَمامٍ بِالغُمَيمِ تَرَنَّما

وَسَرحَةُ وادٍ هَزَّها الشَوقُ لا الصَبا

وَقَد صَدَحَ العُصفورُ فَجراً فَهَينَما

أَطَفتُ بِها أَشكو إِلَيها وَتَشتَكي

وَقَد تَرجَمَ المُكّاءُ عَنها فَأَفهَما

تَحِنُّ وَدَمعُ الشَوقِ يَسجِمُ وَالنَدى

وَقَرَّ بِعَيني أَن تَحِنَّ وَيَسجُما

وَحَسبُكَ مِن صَبٍّ بَكى وَحَمامَةٍ

فَلَم يُدرَ شَوقاً أَيُّما الصَبُّ مِنهُما

وَلَمّا تَراءَت لي أَثافِيُّ مَنزِلٍ

أَرَتني مُحَيّا ذَلِكَ الرَبعِ أَهيَما

تَرَنَّحَ بي لَذعٌ مِنَ الشَوقِ موجِعٌ

نَسيتُ لَهُ الصَبرَ الجَميلَ تَأَلُّما

فَأَسلَمتُّ قَلباً باتَ يَهفو بِهِ الهَوى

وَقُلتُ لِدَمعِ العَينِ أَنجِد فَأَتهَما

وَخَلَّيتُ دَمعي وَالجُفونَ هُنَيهَةً

فَأَفصَحَ سِرٌّ ما فَغَرتُ بِهِ فَما

وَعُجتُ المَطايا حَيثُ هاجَ بِيَ الهَوى

فَحَيَّيتُ مابَينَ الكَثيبِ إِلى الحِمى

وَقَبَّلتُ رَسمَ الدارِ حُبّاً لِأَهلِها

وَمَن لَم يَجِد إِلّا صَعيداً تَيَمَّما

وَحَنَّت رِكابي وَالهَوى يَبعَثُ الهَوى

فَلَم أَرَ في تَيماءَ إِلّا مُتَيَّما

فَها أَنا وَالظَلماءُ وَالعيسُ صُحبَةٌ

تَرامى بِنا أَيدي النَوى كُلَّ مُرتَمى

أُراعي نُجومَ اللَيلِ حُبّاً لِبَدرِهِ

وَلَستُ كَما ظَنَّ الخَلِيُّ مُنَجِّما

وَما راعَني إِلّا تَبَسُّمُ شَيبَةٍ

نَكَرتُ لَها وَجهَ الفَتاةِ تَجَهُّما

فَعِفتُ غُراباً يَصدَعُ الشَملَ أَبيَضاً

وَكانَ عَلى عَهدِ الشَبيبَةِ أَسحَما

فَآهٍ طَويلاً ثُمَّ آهٍ لِكَبرَةٍ

بَكَيتُ عَلى عَهدِ الشَبابِ بِها دَما

وَقَد صَدِئَت مِرآةُ طَرفي وَمِسمَعي

فَما أَجِدُ الأَشياءَ كَالعَهدِ فيهِما

وَهَل ثِقَةٌ في الأَرضِ يَحفَظُ خِلَّةً

إِذا غَدَرا بي صاحِبانِ هُما هُما

كَأَن لَم يَشقُني مَبسِمُ الصُبحِ بِاللِوى

وَلَم أَرتَشِف مِن سُدفَةٍ دونَهُ لَمى

وَلَم أَطرُقِ الحَسناءَ تَهتَزُّ خوطَةً

وَتَسحَبُ مِن فَضلِ الضَفيرَةِ أَرقَما

وَلا سِرتُ عَنها أَركَبُ الصُبحَ أَشهَباً

وَقَد جِئتُ شَوقاً أَركَبُ اللَيلَ أَدهَما

وَلا جاذَبَتني اَلريحُ فَضلَ ذُؤابَةٍ

لَبِستُ بِها ثَوبَ الشَبيبَةِ مُعلَما